الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه
حول أركان الصلاة (لقاء مفتوح)
8555 مشاهدة
تفسير قوله: إياك نعبد وإياك نستعين

في هذه السورة العبادة: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ يلاحظ أن بعضا من القراء يضم الدال كثيرا، ويقلب حركتها واوا، ويشددها بواو العاطف فيقول: إياك نعبد وإياك فكأنه يزيد فيها حرفا إنما الذي يقرأ يقول: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ وإن سكن الدال وقف عليها إياك نعبدْ، ثم عطف بقوله: وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ أجزأه، وأما إذا وصل فإنه يقول: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ومثلها أيضا حركة الكاف من مالك؛ِ لا يجعلها ياء لو قال: مالكي يوم الدين لقلب الحركة ياء؛ بل القراءة أن يقول: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ .
العبادة إِيَّاكَ نَعْبُدُ هي حق الله -تعالى- كما أن العباد عبيده، فإنهم يعبدونه وحده، ويتركون عبادة ما سواه؛ فإنه المعبود، فإذا قال العبد: إِيَّاكَ نَعْبُدُ أي: نعبدك وحدك، ولا نعبد غيرك، وعبادة الله -تعالى- محبته والتذلل له؛ عبادته غاية الحب مع غاية الذل، ولا شك أنك إذا أحببت الله تواضعت له، وتذللت بين يديه، وذلك لأنك تتذكر أنه هو خالق كل شيء، ورازق كل شيء، وبيده الملك، وبيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون، وأن الإنسان مهما بلغ فإنه ضعيف وفقير؛ فعليه أن يتذلل لربه، يستحضر أنه ضعيف، وربه هو القوي، وأنه فقير وربه هو الغني، وأنه مهين صغير وربه هو الكبير المتعالي؛ فعند ذلك يتذلل.
فالعبادة هي التذلل غاية الذل، وغاية الحب؛ يحب ربه لأنه خالقه ومالكه ورازقه، والمتصرف فيه، ويتذلل له؛ يعني: يتواضع بين يديه، ويتمسكن يظهر المسكنة، ويظهر الضعف، ويظهر الحاجة؛ هكذا يكون العبد إذا قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ أي: أنت معبودنا، أنت ربنا، أنت خالقنا، ومالكنا، أنت المتصرف فينا يا ربنا، نحن عبادك، نحن عبادك الفقراء إليك؛ نحن الفقراء وأنت الغني، نحن الضعفاء وأنت القوي، نحن المماليك وأنت المالك لكل شيء، أنت مالكنا والمتصرف فينا؛ هذا إذا قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ .
فيتذكر أنه إذا دعا الله فقد عبده، وإذا رجاه فقد عبده، وإذا خافه فالخوف عبادة، وإذا اعتمد عليه فالاعتماد عليه عبادة، وإذا تاب إليه فالتوبة عبادة، والإنابة عبادة، والركوع والسجود عبادة، والقيام له والتواضع بين يديه عبادة، وكل شيء يتخذ قربة، فإنه داخل في إِيَّاكَ نَعْبُدُ أي: نعبدك بالخوف، نعبدك بالرجاء، نعبدك بالتوكل عليك، نعبدك بالدعاء لك، نعبدك بالتوبة وبالإنابة، ونعبدك بالاستعانة، ونعبدك بالتعوذ بك، ونعبدك بجميع أنواع العبادات.
وكذلك نستعين؛ الاستعانة طلب العون، وذلك لأنه يتذكر أنه لا غنى به عن ربه طرفة عين، وأنه إذا ما أعانك على عبادتك ما قدرت عليها، فكأنك تقول: يا رب أعني على عبادتك، أعني وساعدني وقوني عليها؛ فإذا لم تعني فإني عاجز لا قوة لي على العبادة إلا بإعانتك يا رب، إياك نستعين إذا عبدناك، فأعنا على ذلك، وقونا عليه.
الاستعانة عبادة وهي: طلب العون من الله -تعالى- على أية قربة، وعلى أية عبادة يتقرب بها العبد إلى الله -تعالى- فمن لم يستعن بالله لم يعنه؛ ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله ويقول الله -تعالى- وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ المستعان به في كل الحالات، ومن لم يعنه الله فإنه عاجز، فيطلب العبد من ربه أن يعينه؛ هكذا قالوا في إياك نستعين.