(يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه.
حول أركان الصلاة (لقاء مفتوح)
7795 مشاهدة
تفسير قوله: إياك نعبد وإياك نستعين

في هذه السورة العبادة: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ يلاحظ أن بعضا من القراء يضم الدال كثيرا، ويقلب حركتها واوا، ويشددها بواو العاطف فيقول: إياك نعبد وإياك فكأنه يزيد فيها حرفا إنما الذي يقرأ يقول: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ وإن سكن الدال وقف عليها إياك نعبدْ، ثم عطف بقوله: وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ أجزأه، وأما إذا وصل فإنه يقول: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ومثلها أيضا حركة الكاف من مالك؛ِ لا يجعلها ياء لو قال: مالكي يوم الدين لقلب الحركة ياء؛ بل القراءة أن يقول: مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ .
العبادة إِيَّاكَ نَعْبُدُ هي حق الله -تعالى- كما أن العباد عبيده، فإنهم يعبدونه وحده، ويتركون عبادة ما سواه؛ فإنه المعبود، فإذا قال العبد: إِيَّاكَ نَعْبُدُ أي: نعبدك وحدك، ولا نعبد غيرك، وعبادة الله -تعالى- محبته والتذلل له؛ عبادته غاية الحب مع غاية الذل، ولا شك أنك إذا أحببت الله تواضعت له، وتذللت بين يديه، وذلك لأنك تتذكر أنه هو خالق كل شيء، ورازق كل شيء، وبيده الملك، وبيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون، وأن الإنسان مهما بلغ فإنه ضعيف وفقير؛ فعليه أن يتذلل لربه، يستحضر أنه ضعيف، وربه هو القوي، وأنه فقير وربه هو الغني، وأنه مهين صغير وربه هو الكبير المتعالي؛ فعند ذلك يتذلل.
فالعبادة هي التذلل غاية الذل، وغاية الحب؛ يحب ربه لأنه خالقه ومالكه ورازقه، والمتصرف فيه، ويتذلل له؛ يعني: يتواضع بين يديه، ويتمسكن يظهر المسكنة، ويظهر الضعف، ويظهر الحاجة؛ هكذا يكون العبد إذا قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ أي: أنت معبودنا، أنت ربنا، أنت خالقنا، ومالكنا، أنت المتصرف فينا يا ربنا، نحن عبادك، نحن عبادك الفقراء إليك؛ نحن الفقراء وأنت الغني، نحن الضعفاء وأنت القوي، نحن المماليك وأنت المالك لكل شيء، أنت مالكنا والمتصرف فينا؛ هذا إذا قال: إِيَّاكَ نَعْبُدُ .
فيتذكر أنه إذا دعا الله فقد عبده، وإذا رجاه فقد عبده، وإذا خافه فالخوف عبادة، وإذا اعتمد عليه فالاعتماد عليه عبادة، وإذا تاب إليه فالتوبة عبادة، والإنابة عبادة، والركوع والسجود عبادة، والقيام له والتواضع بين يديه عبادة، وكل شيء يتخذ قربة، فإنه داخل في إِيَّاكَ نَعْبُدُ أي: نعبدك بالخوف، نعبدك بالرجاء، نعبدك بالتوكل عليك، نعبدك بالدعاء لك، نعبدك بالتوبة وبالإنابة، ونعبدك بالاستعانة، ونعبدك بالتعوذ بك، ونعبدك بجميع أنواع العبادات.
وكذلك نستعين؛ الاستعانة طلب العون، وذلك لأنه يتذكر أنه لا غنى به عن ربه طرفة عين، وأنه إذا ما أعانك على عبادتك ما قدرت عليها، فكأنك تقول: يا رب أعني على عبادتك، أعني وساعدني وقوني عليها؛ فإذا لم تعني فإني عاجز لا قوة لي على العبادة إلا بإعانتك يا رب، إياك نستعين إذا عبدناك، فأعنا على ذلك، وقونا عليه.
الاستعانة عبادة وهي: طلب العون من الله -تعالى- على أية قربة، وعلى أية عبادة يتقرب بها العبد إلى الله -تعالى- فمن لم يستعن بالله لم يعنه؛ ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله ويقول الله -تعالى- وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ المستعان به في كل الحالات، ومن لم يعنه الله فإنه عاجز، فيطلب العبد من ربه أن يعينه؛ هكذا قالوا في إياك نستعين.